سورة الرحمن - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{الياقوت والمرجان}: هي من الأشياء التي قد برع حسنها واستشعرت النفوس جلالتها، فوقع التشبيه بها لا في جميع الأوصاف لكن فيما يشبه ويحسن بهذه المشبهات، ف {الياقوت} في إملاسه وشفوفه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة المرأة من نساء أهل الجنة: «يرى مخ ساقها من وراء العظم» {والمرجان} في إملاسه وجمال منظره، وبهذا النحو من النظر سمت العرب النساء بهذه الأشياء كدرة بنت أبي لهب. ومرجانة أم سعيد وغير ذلك.
وقوله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} آية، وعد وبسط لنفوس جميع المؤمنين لأنها عامة. قال ابن المنكدر وابن زيد وجماعة من أهل العلم: هي للبر والفاجر. والمعنى أن جزاء من أحسن بالطاعة أن يحسن إليه بالتنعيم. وحكى النقاش أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر هذه الآية: «هل جزاء التوحيد إلا الجنة».
وقوله تعالى: {ومن دونهما جنتان} اختلف الناس في معنى: {من دونهما}، فقال ابن زيد وغيره معناه: أن هذين دون تينك في المنزلة والقدرة، والأوليان جنتا السابقين، والأخريان جنتا أصحاب اليمين. قال الرماني قال ابن عباس: الجنات الأربع للخائف {مقام ربه} [الرحمن: 46]. وقال الحسن الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين. وقال ابن عباس، المعنى: هما دونهما في القرب إلى المنعمين وهاتان المؤخرتان في الذكر أفضل من الأوليين، يدل على ذلك أنه وصف عيني هذه بالنضخ والأخريين بالجري فقط، وجعل هاتين مدهامتين من شدة النعمة، والأوليين ذواتي أفنان، وكل جنة ذات أفنان وإن لم تكن مدهامة.
قال القاضي أبو محمد: وأكثر الناس على التأويل الأول، وهذه استدلالات ليست بقواطع. وروي عن أبي موسى الأشعري أنه قال: جنتان للمقربين من ذهب، وجنتان لأهل اليمين من فضة مما دون الأولين.
و: {مدهامتان} معناه قد علا لونهما دهمة وسواد في النضرة والخضرة، كذا فسره ابن الزبير على المنبر، ومنه قوله تعالى: {الذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى} [الأعلى: 5]، والنضاخة الفوارة التي يهيج ماؤها. وقال ابن جبير المعنى: {نضاختان} بأنواع الفواكه، وهذا ضعيف. وكرر النخل والرمان لأنهما ليسا من الفواكه. وقال يونس بن حبيب وغيره: كررهما وهما من أفضل الفاكهة تشريفاً لهما وإشادة بهما كما قال تعالى: {وجبريل وميكال} [البقرة: 98].


{خيرات} جمع خيرة، وهي أفضل النساء، ومنه قول الشاعر [أنشده الطبري]: [الكامل]
ربلات هند خيرة الملكات ***
وقالت أم سلمة: قلت يا رسول الله: أخبرني عن قوله تعالى: {خيرات حسان} قال: «{خيرات} الأخلاق {حسان} الوجوه».
وقرأ أبو بكر بن حبيب السهمي: {خيِّرات حسان} بشد الياء المكسورة. وقرأ أبو عمرو بفتح الياء.
وقوله: {مقصورات} أي محجوبات. وكانت العرب تمدح النساء بملازمة البيوت، ومنه قول الشاعر [أبو قيس بن الأسلت]: [الطويل]
وتعتل في إتيانهن فتعذر ***
يصف أن جارتها يزرنها ولا تزورهن. ويروى أن بيت الأعشى قد ذم وهو قوله: [البسيط]
كأن مشيتها من بين جارتها *** مر السحابة لا ريث ولا عجل
فقيل في ذمه: هذه جوالة خراجة ولاجة، ومن مدح القصر قول كثير: [الطويل]
وأنت التي حببت كل قصيرة *** إليّ ولم تشعر بذاك القصائر
أريد قصيرات الحجال ولم أرد *** قصار الخطى شر النساء البحاتر
قال الحسن: {مقصورات في الخيام} ليس بطوافات في الطرق، و{الخيام}: البيوت من الخشب والثمام وسائر الحشيش، وهي بيوت المرتحلين من العرب، وخيام الجنة بيوت اللؤلؤ. وقال عمر بن الخطاب: هي در مجوف. ورواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان بيت المسكين عند العرب من شعر فهو بيت، ولا يقال له خيمة، ومن هذا قول جرير: [الوافر]
متى كان الخيام بذي طلوح *** سقيت الغيث أيتها الخيام
ومنه قول امرئ القيس: [المتقارب]
أمرخ خيامهم أم عشر *** يستفهم هل هم منجدون أم غائرون لأن العشر مما لا ينبت إلا في تهامة، والمرخ مما لا ينبت إلا في نجد.
والرفرف: ما تدلى من الأسرة من غالي الثياب والبسط: وكذلك قال ابن عباس وغيره: إنها فضول المحابيس والبسط، وقال ابن جبير، الرفرف: رياض الجنة.
قال القاضي أبو محمد: والأول أصوب وأبين، ووجه قول ابن جبير: إنه من رف البيت، إذا تنعم وحسن، وما تدلى حول الخباء من الخرقة الهفافة يسمى رفرفاً، وكذلك يسميه الناس اليوم. وقال الحسن ابن أبي الحسن، الرفرف: المرافق، والعبقري: بسط حسان فيها صور وغير ذلك، تصنع بعبقر، وهو موضع يعمل فيه الوشي والديباج ونحوه قال ابن عباس: العبقري: الزرابي. وقال ابن زيد: هي الطنافس. وقال مجاهد: هي الديباج الغليظ.
وقرأ زهير الفرقبي: {رفارفَ} بالجمع وترك الصرف. وقرأ أبو طمعة المدني: وعاصم في بعض ما روي عنه {رفارفٍ} بالصرف، وكذلك قرأ عثمان بن عفان: {رفارفٍ وعباقرٍ} بالجمع والصرف، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وغلط الزجاج والرماني هذه القراءة. وقرأ أيضاً عثمان في بعض ما روي عنه: {عبَاقَر}: بفتح القاف والباء، وهذا على أن اسم الموضع {عبَاقَر} بفتح القاف، والصحيح في اسم الموضع: عبقر، قال الشاعر [امرؤ القيس]: [الطويل]
كأن صليل المروحين تشذه *** صليل الزيوف بنتقدن بعبقرا
قال الخليل والأصمعي: إذا استحسنت شيئاً واستجادته قالت {عبقرى}.
قال القاضي أبو محمد: ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه» وقال عبد الله بن عمر: العبقري سيد القوم وعينهم. وقال زهير: [الطويل]
بخيل عليها جنة عبقرية *** جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا
ويقال عبقر: مسكن للجن. وقال ذو الرمة: [البسيط]
حتى كأن رياض القف ألبسها *** من وشي عبقر تجليل وتنجيد
وقرأ الأعرج: {خضُر} بضم الضاد. وقرأ جمهور الناس: {ذي الجلال} على اتباع الرب. وقرأ ابن عامر وأهل الشام. {ذو} على اتباع الاسم، وكذلك في الأول، وفي حرف أبيّ وابن مسعود، {ذي الجلال} في الموضعين، وهذا الموضع مما أريد فيه بالاسم مسماه.
والدعاء بهاتين الكلمتين حسن مرجو الإجابة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام».
نجز تفسير سورة الرحمن: وصلى الله على مولانا محمد سيد ولد عدنان.

1 | 2 | 3